فصل: باب كراهة نتف الشيب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب كراهة نتف الشيب

1- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب اللَّه له بها حسنة ورفعه بها درجة وحط عنه بها خطيئة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

وأخرجه أيضا الترمذي وقال‏:‏ حسن والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه‏.‏ وقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال ‏(‏كنا نكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته‏)‏ وفي رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مقال معروف عند المحدثين‏.‏

والحديث يدل على تحريم نتف الشيب لأنه مقتضى النهي حقيقة عند المحققين وقد ذهبت الشافعية والمالكية والحنابلة وغيرهم إلى كراهة ذلك لهذا الحديث ولما أخرجه الخلال في جامعه عن طارق بن حبيب‏:‏ ‏(‏أن حجامًا أخذ من شارب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فرأى شيبة في لحيته فأهوى بيده إليها ليأخذها فأمسك النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يده وقال‏:‏ من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة‏)‏ ولما أخرجه البزار والطبراني عن فضالة بن عبيد‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة فقال له رجل عند ذلك‏:‏ فإن رجالًا ينتفون الشيب فقال‏:‏ من شاء فلينتف نوره‏)‏‏.‏

قال النووي‏:‏ لو قيل يحرم النتف للنهي الصريح الصحيح لم يبعد قال‏:‏ ولا فرق بين نتفه من اللحية والرأس والشارب والحاجب والعذار ومن الرجل والمرأة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنه نور المسلم‏)‏ في تعليله بأنه نور المسلم ترغيب بليغ في إبقائه وترك التعرض لإزالته وتعقيبه بقوله‏:‏ ‏(‏ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام‏)‏ والتصريح بكتب الحسنة ورفع الدرجة وحط الخطيئة نداء بشرف الشيب وأهله وأنه من أسباب كثرة الأجور وإيماء إلى أن الرغوب عنه بنتفه رغوب عن المثوبة العظيمة‏.‏ وقد أخرج الترمذي من حديث كعب بن مرة وحسنه قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة‏)‏ وأخرجه بهذا اللفظ من حديث عمرو بن عبسة وقال‏:‏ حسن صحيح غريب‏.‏

 باب تغيير الشيب بالحناء والكتم ونحوهما وكراهة السواد

1- عن جابر بن عبد اللَّه قال‏:‏ ‏(‏جيء بأبي قحافة يوم الفتح إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وكأن رأسه ثغامة فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ اذهبوا به إلى بعض نسائه فلتغيره بشيء وجنبوه السواد‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بأبي قحافة‏)‏ هو والد أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثغامة‏)‏ بثاء مثلثة مفتوحة ثم غين معجمة مخففة‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ هو نبت أبيض الزهر والثمر يشبه بياض المشيب به‏.‏ وقال ابن الأعرابي‏:‏ هو شجر مبيض كأنه الثلج قال في القاموس‏:‏ الثغام السحاب نبت واحدته بهاء وأثغماء اسم الجمع وأثغم الوادي أنبته والرأس صار كالثغامة بياضًا ولون تاغم أبيض كالثغام‏.‏

والحديث يدل على مشروعية تغيير الشيب وأنه غير مختص باللحية وعلى كراهة الخضاب بالسواد قال بذلك جماعة من العلماء قال النووي‏:‏ والصحيح بل الصواب أنه حرام يعني الخضاب بالسواد وممن صرح به صاحب الحاوي انتهى‏.‏ وقد أخرج أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة‏)‏ قال المنذري‏:‏ وفي إسناده عبد الكريم ولم ينسبه أبو داود ولا النسائي انتهى‏.‏ وهو الجريري كما وقع في بعض نسخ السنن‏.‏

وقد ورد في استحباب خضاب الشيب وتغييره أحاديث سيأتي بعضها منها ما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود من حديث ابن عباس بلفظ‏:‏ ‏(‏إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم‏)‏ وأخرجه الترمذي بلفظ‏:‏ ‏(‏غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود‏)‏ وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه من حديث أبي ذر قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏إن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم‏)‏ وسيأتي‏.‏ وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما‏:‏ ‏(‏أنه كان يصبغ لحيته بالصفرة ويقول رأيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصبغ بها ولم يكن أحب إليه منها وكان يصبغ بها ثيابه‏)‏ أخرجه أبو داود والنسائي ويعارضه ما سيأتي عن أنس قال‏:‏ ‏(‏ما خضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وإنه لم يبلغ منه الشيب إلا قليلًا قال‏:‏ ولو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه لفعلت‏)‏ والحديث أخرجه الشيخان‏.‏ وأخرج أبو داود والنسائي من حديث ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يكره عشر خلال الصفرة يعني الخلوق وتغيير الشيب‏)‏ الحديث ولكنه لا ينتهض لمعارضة أحاديث تغيير الشيب قولًا وفعلًا‏.‏

قال القاضي عياض‏:‏ اختلف السلف من الصحابة والتابعين في الخضاب وفي جنسه فقال بعضهم ترك الخضاب أفضل وروى حديثًا عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في النهي عن تغيير الشيب ولأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يغير شيبه روي هذا عن عمر وعلي وأبي بكر وآخرين‏.‏

وقال آخرون الخضاب أفضل وخضب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم للأحاديث الواردة في ذلك ثم اختلف هؤلاء فكان أكثرهم يخضب بالصفرة منهم ابن عمر وأبو هريرة وآخرون وروي ذلك عن علي‏.‏

وخضب جماعة منهم بالحناء والكتم وبعضهم بالزعفران وخضب جماعة بالسواد روي ذلك عن عثمان والحسن والحسين ابني علي وعقبة بن عامر وابن سيرين وأبي بردة وآخرين‏.‏

قال الطبري‏:‏ الصواب أن الأحاديث الواردة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بتغيير الشيب وبالنهي عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة والنهي لمن له شمط فقط قال‏:‏ واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض‏.‏

2 - وعن محمد بن سيرين قال‏:‏ ‏(‏سئل أنس بن مالك عن خضاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يكن شاب إلا يسيرًا ولكن أبا بكر وعمر بعده خضبًا بالحناء والكتم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وزاد أحمد قال‏:‏ ‏(‏وجاء أبو بكر بأبي قحافة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم فتح مكة يحمله حتى إذا وضعه بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لأبي بكر‏:‏ لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه تكرمة لأبي بكر فأسلم ولحيته ورأسه كالثغامة بياضًا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ غيروهما وجنبوه السواد‏)‏‏.‏

قصة أبي قحافة قد تقدم الكلام عليها وفي هذه الرواية زيادة الأمر بتغيير بياض اللحية وحديث أنس وإنكاره لخضاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يعارضه ما سيأتي من حديث ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران‏)‏ وما سبق من حديثه أنه كان يصبغ بالصفرة وما في الصحيحين وإن كان أرجح مما كان خارجًا عنهما ولكن عدم علم أنس بوقوع الخضاب منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يستلزم العدم ورواية من أثبت أولى من روايته لأن غاية ما في روايته أنه لم يعلم وقد علم غيره‏.‏ وأيضًا قد ثبت في صحيح البخاري ما يدل على اختضابه كما سيأتي على أنه لو فرض عدم ثبوت اختضابه لما كان قادحًا في سنية الخضاب لورود الإرشاد إليها قولًا في الأحاديث الصحيحة‏.‏

قال ابن القيم‏:‏ واختلف الصحابة في خضابه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال أنس‏:‏ لم يخضب وقال أبو هريرة‏:‏ خضب‏.‏ وقد روى حماد بن سلمة عن حميد عن أنس قال‏:‏ ‏(‏رأيت شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مخضوبًا‏)‏ قال حماد‏:‏ وأخبرني عبد اللَّه بن محمد بن عقيل قال‏:‏ ‏(‏رأيت شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عند أنس بن مالك مخضوبًا‏)‏‏.‏

وقالت طائفة كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مما يكثر الطيب قد احمر شعره فكان يظن مخضوبًا ولم يخضب انتهى‏.‏

وقد أثبت اختضابه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مع ابن عمر أبو رمثة كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الكتم‏)‏ في القاموس والكتم محركة والكتمان بالضم نبت يخلط بالحناء ويخضب به الشعر انتهى‏.‏ وهو النبت المعروف بالوسمة يعني ورق النيل وفي كتب الطب أنه نبت من نبت الجبال ورقه كورق الآس يخضب به مدقوقًا‏.‏

3- وعن عثمان بن عبد اللَّه بن موهب قال‏:‏ ‏(‏دخلنا على أم سلمة فأخرجت إلينا من شعر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فإذا هو مخضوب بالحناء والكتم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والبخاري ولم يذكر بالحناء وبالكتم‏.‏

4- وعن نافع عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران وكان ابن عمر يفعل ذلك‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي‏.‏

الحديث الأول يدل على أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم خضب وقد تقدم الكلام عليه وقد أجيب بأن الحديث ليس فيه بيان أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم هو الذي خضب بل يحتمل أن يكون أحمر بعده لما خالطه من طيب فيه صفرة وأيضًا كثير من الشعور التي تنفصل عن الجسد إذا طال العهد يؤول سوادها إلى الحمرة كذا قال الحافظ‏.‏ وأيضًا هذا الحديث معارض لحديث أنس المتقدم وقد سبق البحث عن ذلك وقال الطبري في الجمع بين الحديثين من جزم بأنه خضب فقد حكى ما شاهد وكان ذلك في بعض الأحيان ومن نفى ذلك فهو محمول على الأكثر الأغلب من حاله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

والحديث الثاني في إسناده عبد العزيز ابن أبي رواد وفيه مقال معروف وهو في صحيح البخاري بأطول من هذا ذكره في أبواب الوضوء ولكنه لم يقل يصفر لحيته بل قال‏:‏ وأما الصفرة فإني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها الحديث‏.‏ وأخرجه أيضًا مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏السبتية‏)‏ بكسر السين جلود البقر وكل جلد مدبوغ أو بالقرظ ذكره في القاموس وإنما قيل لها سبتية أخذًا من السبت وهو الحلق لأن شعرها قد حلق عنها وأزيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويصفر لحيته‏)‏ قال الماوردي‏:‏ لم ينقل عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه صبغ شعره ولعله لم يقف على هذا الحديث وهو مبين للصبغ المطلق في الصحيحين وكذا قال ابن عبد البر لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصبغ بالصفرة إلا ثيابه ورده ابن قدامة في المغني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالورس والزعفران‏)‏ الورس بفتح الواو نبت أصفر يزرع باليمن ويصبغ به والزعفران معروف وظاهر العطف أنه كان يصبغ لحيته بالزعفران ويحتمل أن يكون التقدير أنه كان يصفر لحيته بالورس وثيابه بالزعفران‏.‏ وقد روى أبو داود من طرق صحاح ما يدل على أن ابن عمر كان يصبغ لحيته وثيابه بالصفرة ولفظه‏:‏ ‏(‏أن ابن عمر كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تملأ ثيابه فقيل له في ذلك فقال‏:‏ إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصبغ بها ولم يكن شيء أحب إليه منها كان يصبغ ثيابه بها حتى عمامته‏)‏‏.‏

والحديث يدل على أن تغيير الشيب سنة وقد تقدم الكلام عليه‏.‏

5- وعن أبي ذر رضي اللَّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏

6- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

الحديث الأول يدل على أن الحناء والكتم من أحسن الصباغات التي يغير بها الشيب وأن الصبغ غير مقصور عليهما لدلالة صيغة التفضيل على مشاركة غيرهما من الصباغات لهما في أصل الحسن وهو يحتمل أن يكون على التعاقب ويحتمل الجمع‏.‏

وقد أخرج مسلم من حديث أنس قال‏:‏ اختضب أبو بكر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء بحتًا أي منفردًا وهذا يشعر بأن أبا بكر كان يجمع بينهما دائمًا والكتم نبات باليمن يخرج الصبغ أسود يميل إلى الحمرة وصبغ الحناء أحمر فالصبغ بهما معًا يخرج بين السواد والحمرة واستنبط ابن أبي عاصم من قوله‏:‏ ‏(‏جنبوه السواد‏)‏ في حديث جابر أن الخضاب بالسواد كان من عادتهم‏.‏

والحديث الثاني يدل على أن العلة في شرعية الصباغ وتغيير الشيب هي مخالفة اليهود والنصارى وبهذا يتأكد استحباب الخضاب وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يبالغ في مخالفة أهل الكتاب ويأمر بها وهذه السنة قد كثر اشتغال السلف بها ولهذا ترى المؤرخين في التراجم لهم يقولون وكان يخضب وكان لا يخضب‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ قد اختضب جماعة من الصحابة والتابعين وقال أحمد بن حنبل وقد رأى رجلًا قد خضب لحيته‏:‏ إني لأرى رجلًا يحيي ميتًا من السنة وفرح به حين رآه صبغ بها‏.‏

قال النووي مذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة ويحرم خضابه بالسواد على الأصح قال‏:‏ وللخضاب فائدتان إحداهما تنظيف الشعر مما تعلق به والثانية مخالفة أهل الكتاب‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وقد رخص فيه أي في الخضب بالسواد طائفة من السلف منهم سعد بن أبي وقاص وعقبة بن عامر والحسن والحسين وجرير وغير واحد واختاره ابن أبي عاصم في كتاب الخضاب وأجاب عن حديث ابن عباس رفعه ‏(‏يكون قوم يخضبون بالسواد لا يجدون ريح الجنة‏)‏ بأنه لا دلالة فيه على كراهة الخضاب بالسواد بل فيه الإخبار عن قوم هذه صفتهم وعن حديث جابر ‏(‏جنبوه السواد‏)‏ بأنه ليس في حق كل أحد‏.‏

وقد أخرج الطبراني وابن أبي عاصم من حديث أبي الدرداء رفعه ‏(‏من خضب بالسواد سود اللَّه وجهه يوم القيامة‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وسنده لين ويمكن تعقب الجواب الأول بأن يقال ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية وقد وصف القوم المذكورين بأنهم يخضبون بالسواد ويمكن تعقب الجواب الثاني بأنه مبني على أن حكمه على الواحد ليس حكمًا على الجماعة وفيه خلاف معروف في الأصول‏.‏

7- وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏مر على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم رجل قد خضب بالحناء فقال‏:‏ ما أحسن هذا فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم فقال‏:‏ هذا أحسن من هذا فمر آخر وقد خضب بالصفرة فقال‏:‏ هذا أحسن من هذا كله‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏

في إسناده حميد بن وهب القرشي الكوفي وهو منكر الحديث ومحمد بن طلحة الكوفي وكان ممن يخطئ حتى خرج عن حد التعديل ولم يغلب خطؤه صوابه حتى يستحق الترك وهو ممن يحتج به إلا بما انفرد كذا قاله المنذري‏.‏

والحديث يدل على حسن الخضب بالحناء على انفراده فإن انضم إليه الكتم كان أحسن ويدل على أن الخضب بالصفرة أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأحسن في عينه من الحناء على انفراده ومع الكتم‏.‏ وقد سبق حديث ابن عمر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم خضب بالصفرة وتقدم الكلام فيه‏.‏

8- وعن أبي رمثة قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخضب بالحناء والكتم وكان شعره يبلغ كتفيه أو منكبيه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وفي لفظ لأحمد والنسائي وأبي داود‏:‏ ‏(‏أتيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مع أبي وله لمة بها ردع من حناء‏)‏ ردع بالعين المهملة أي لطخ يقال به ردع من دم أو زعفران‏.‏

وفي لفظ من حديث أبي رمثة‏:‏ ‏(‏أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مع ابن لي فقال‏:‏ ابنك قلت‏:‏ نعم أشهد به فقال‏:‏ لا تجني عليه ولا يجني عليك قال‏:‏ ورأيت الشيب أحمر‏)‏‏.‏

قال الترمذي‏:‏ هذا أحسن شيء روي في هذا الباب وأفسره لأن الروايات الصحيحة أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يبلغ الشيب‏.‏

قال حماد بن سلمة عن سماك بن حرب قيل لجابر بن سمرة‏:‏ أكان في رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم شيب قال‏:‏ لم يكن في رأسه شيب إلا شعرات في مفرق رأسه إذا ادهن واراهن الدهن قال أنس‏:‏ وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يكثر دهن رأسه ولحيته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لمة‏)‏ بكسر اللام وتشديد الميم هي الشعر المجاوز شحمة الأذن كذا في القاموس‏.‏ وفي رواية لأبي داود من هذا الحديث وكان يعني النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قد لطخ لحيته بالحناء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ردع‏)‏ وهو بالراء المهملة المفتوحة والدال المهملة الساكنة‏.‏

 باب جواز اتخاذ الشعر وإكرامه واستحباب تقصيره

1- عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏كان شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فوق الوفرة ودون الجمة‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي‏.‏

ولفظ ابن ماجه ‏(‏فوق الجمة‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هو حديث صحيح غريب من هذا الوجه‏.‏ وقد روي من غير وجه عن عائشة أنها قالت‏:‏ ‏(‏كنت أغتسل أنا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من إناء واحد‏)‏ ولم يذكروا فيه هذا الحرف وكان له شعر فوق الجمة وإنما ذكره عبد الرحمن ابن أبي الزناد وهو ثقة حافظ انتهى‏.‏ وعبد الرحمن مدني سكن بغداد وحدث بها إلى حين وفاته وثقه الإمام مالك بن أنس واستشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوق الوفرة‏)‏ بفتح الواو قال في القاموس‏:‏ الوفرة الشعر المجتمع على الرأس أو ما سال على الأذنين منه أو ما جاوز شحمة الأذن ثم الجمة ثم اللمة والجمع وفار وقال في الجمة إنها مجتمع الرأس وهي بضم الجيم وتشديد الميم‏.‏ قال ابن رسلان في شرح السنن‏:‏ إنها قريب المنكبين‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ الوفرة الشعر إلى شحمة الأذنين فإذا جاوزها فهو اللمة فإذا بلغ المنكبين فهو الجمة انتهى‏.‏

والحديث يدل على استحباب ترك الشعر على الرأس إلى أن يبلغ ذلك المقدار‏.‏

2- وعن أنس بن مالك‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يضرب شعره منكبيه‏)‏‏.‏ وفي لفظ ‏(‏كان شعره رجلًا ليس بالجعد والسبط بين أذنيه وعاتقه‏)‏‏.‏

أخرجاه ولأحمد ومسلم ‏(‏كان شعره إلى أنصاف أذنيه‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان شعره رجلًا‏)‏ براء مهملة مفتوحة وجيم مكسورة هو الشعر بين السبوطة والجعودة‏.‏ والسبط‏:‏ بسين مهملة مفتوحة وباء موحدة ساكنة تحرك وتكسر قال في القاموس‏:‏ وهو نقيض الجعودة‏.‏ وفي المشارق وهو المسترسل كشعر العجم‏.‏ والجعد في القاموس خلاف السبط‏.‏ وفي المشارق هو المتكسر فإذا كان شديد التكسر فهو القطط مثل شعر السودان‏.‏

والحديث يدل على استحباب ترك الشعر وإرساله بين المنكبين أو بين الأذنين والعاتق وقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث البراء قال‏:‏ ‏(‏ما رأيت من ذي لمة أحسن في حلة حمراء من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ قال أبو داود‏:‏ زاد محمد بن سليمان له شعر يضرب منكبيه قال‏:‏ وكذا رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء يضرب منكبيه وقال شعبة‏:‏ تبلغ شحمة أذنيه قال أبو داود‏:‏ وهم شعبة فيه‏.‏ وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي من حديث أنس قال‏:‏ ‏(‏كان شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى أنصاف أذنيه‏)‏‏.‏

وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث البراء قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم له شعر يبلغ شحمة أذنيه‏)‏‏.‏

قال القاضي‏:‏ الجمع بين هذه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه وهو الذي بين أذنه وعاتقه وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه‏.‏ وقيل كان ذلك لاختلاف الأوقات فإذا غفل عن تقصيرها بلغت المنكب وإذا قصرها كانت إلى أنصاف أذنيه‏.‏ وكان يقصر ويطول بحسب ذلك‏.‏

3- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من كان له شعر فليكرمه‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث قال في الفتح‏:‏ وإسناده حسن وله شاهد من حديث عائشة في الغيلانيات وإسناده حسن أيضًا وسكت عنه أبو داود والمنذري وقد صرح أبو داود أيضًا أنه لا يسكت إلا عما هو صالح للاحتجاج ورجال إسناده أئمة ثقات‏.‏ وفيه دلالة على استحباب إكرام الشعر بالدهن والتسريح وإعفائه عن الحلق لأنه يخالف الإكرام إلا أن يطول كما ثبت عند أبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث وائل بن حجر قال‏:‏ ‏(‏أتيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولي شعر طويل فلما رآني قال‏:‏ ذباب ذباب قال‏:‏ فرجعت فجززته ثم أتيته من الغد فقال‏:‏ إني لم أعنك‏)‏ ‏[‏قوله‏:‏ ذباب‏.‏ قال صاحب النهاية‏:‏ الذباب الشؤم أي هذا شؤم‏.‏ وقيل الذباب الشر الدائم‏.‏ وقوله‏:‏ لم أعنك أي لم أردك بالكلام وإنما أردت غيرك واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ وهذا أحسن‏.‏ وفي إسناده عاصم بن كليب الحرمي وقد احتج به مسلم في صحيحه وقال الإمام أحمد‏:‏ لا بأس بحديثه وقال أبو حاتم الرازي‏:‏ صالح وقال علي بن المديني‏:‏ لا يحتج به إذا انفرد‏.‏

وأخرج مالك عن عطاء بن يسار وقال‏:‏ ‏(‏أتى رجل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته ففعل ثم رجع فقال صلى اللَّه عليه وآله وسلم أليس هذا خير من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان‏)‏ والثائر الشعث بعيد العهد بالدهن والترجيل‏.‏

4- عن عبد اللَّه بن المغفل قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن الترجل إلا غبًا‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي‏.‏

الحديث صححه ابن حبان قال المنذري‏:‏ ولكن أخرجه النسائي مرسلًا وأخرجه عن الحسن البصري وعن محمد بن سيرين من قوله‏:‏ما‏.‏ وقال أبو الوليد الباجي‏:‏ هذا وإن كان رواته ثقات إلا أنه يثبت وأحاديث الحسن عن عبد اللَّه بن مغفل فيها نظر وفيما قاله نظر فقد قال الإمام أحمد ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي‏:‏ إن الحسن سمع من عبد اللَّه بن مغفل غير أن الحديث في إسناده اضطراب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الترجل‏)‏ الترجل والترجيل تسريح الشعر وقيل الأول المشط والثاني التسريح‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏إلا غبًا‏)‏ أي في كل أسبوع مرة كذا روي عن الحسن وفسره الإمام أحمد بأن يسرحه يومًا ويدعه يومًا وتبعه غيره وقيل المراد به وقت دون وقت وأصل الغب في إيراد الإبل أن ترد الماء يومًا وتدعه يومًا وفي القاموس الغب في الزيارة أن تكون كل أسبوع ومن الحمى ما تأخذ يومًا وتدع يومًا‏.‏

والحديث يدل على كراهة الاشتغال بالترجيل في كل يوم لأنه نوع من الترفه وقد ثبت من حديث فضالة بن عبيد عند أبي داود قال‏:‏ ‏(‏إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان ينهانا عن كثير من الأرفاه وفي ترك الترجيل الأيام نوع من البذاذة‏)‏ وقد ثبت عند أبي داود وابن ماجه من حديث أبي أمامة قال‏:‏ ‏(‏ذكر أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يومًا عنده الدنيا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ألا تسمعون ألا تسمعون إن البذاذة من الإيمان إن البذاذة من الإيمان‏)‏ قال أبو داود في سننه‏:‏ إن البذاذة التقحل‏.‏ وفي النهاية قحل إذا التزق جلده بعظمه من الهزال والبلا انتهى‏.‏ والإرفاه الاستكثار من الزينة وأن لا يزال يهيئ نفسه وأصله من الرفه وهو أن ترد الإبل الماء كل يوم فإذا وردت يومًا ولم ترد يومًا فذلك الغب قاله الخطابي في المعالم‏.‏

وحديث أبي أمامة في إسناده محمد بن إسحاق ولم يصرح بالتحديث بل عنعن وفيه مقال مشهور‏:‏ وقال أبو عمر النمري‏:‏ إنه اختلف في إسناد هذا الحديث اختلافًا سقط معه الاحتجاج ولا يصح من جهة الإسناد‏.‏

5- وعن أبي قتادة‏:‏ ‏(‏أنه كانت له جمة ضخمة فسأل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

الحديث رجال إسناده كلهم رجال الصحيح وأخرجه أيضًا مالك في الموطأ ولفظ الحديث عن أبي قتادة قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللَّه إن لي جمة أفأرجلها قال‏:‏ نعم وأكرمها‏)‏ فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من أجل قوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ نعم وأكرمها‏.‏

وعلى هذا فلا يعارض الحديث المتقدم في النهي عن الترجل إلا غبًا لأن الواقع من النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم هو مجرد الإذن بالترجيل والإكرام وفعل أبي قتادة ليس بحجة‏.‏

والواجب حمل مطلق الأمر بالترجيل والإكرام على المقيد لكن الإذن بالترجيل كل يوم كما في حديث أبي قتادة الذي ذكره المصنف يخالف ما في حديث عبد اللَّه بن المغفل من النهي عن الترجيل إلا غبًا فإن لم يمكن الجمع وجب الترجيح‏:‏

وقد تقدم ذكر حديث إكرام الشعر وتقدم أيضًا تفسير الجمة والترجيل‏.‏

 باب ما جاء في كراهية القزع والرخصة في حلق الرأس

1- عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن القزع فقيل لنافع‏:‏ ما القزع قال‏:‏ أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وأخرجه أيضًا أبو داود والنسائي وابن ماجه وذكر أبو داود في سننه بعد ذكره تفسير القزع بمثل ما في المتن تفسيرًا آخر فقال‏:‏ إن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏نهى عن القزع وهو أن يحلق الصبي ويترك له ذؤابة‏)‏ وهذا لا يتم لأنه قد أخرج أبو داود نفسه من حديث أنس بن مالك ‏(‏قال‏:‏ كانت لي ذؤابة فقالت لي أمي‏:‏ لا أجزها كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يمدها ويأخذ بها‏)‏ وفسر القزع في القاموس بحلق رأس الصبي وترك مواضع منه متفرقة غير محلوقة تشبيهًا بقزع السحاب بعد أن ذكر أن القزع قطع من السحاب الواحدة بهاء‏.‏

وقال في شرح مسلم بعد أن ذكر تفسير ابن عمر‏:‏ وهذا الذي فسره به نافع وعبيد اللَّه هو الأصح قال‏:‏ والقزع حلق بعض الرأس مطلقًا‏.‏ ومنهم من قال هو حلق مواضع متفرقة منه والصحيح الأول لأنه تفسير الراوي وهو غير مخالف للظاهر فوجب العمل به وفي البخاري في تفسير القزع قال‏:‏ فأشار لنا عبيد اللَّه إلى ناصيته وجانبي رأسه وقال‏:‏ إذا حلق رأس الصبي ترك ههنا شعر وههنا شعر قال عبيد اللَّه‏:‏ أما القصة والقفا للغلام فلا بأس ‏[‏ونقل المروزي عن أبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل أنه سئل عن حلق القفا فقال‏:‏ هو من فعل المجوس ومن تشبه بقوم فهو منهم‏.‏ والقصة بضم القاف وفتح الصاد المشددة هي كما فسرها واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ بهما وكل خصلة من الشعر قصة سواء كانت متصلة بالرأس أو منفصلة والمراد بها هنا شعر الناصية يعني أن حلق القصة وشعر القفا خاصة لا بأس به‏.‏

وقال النووي‏:‏ المذهب كراهيته مطلقًا كما سيأتي وأخرج أبو داود من حديث أنس قال ‏(‏كان لي ذؤابة فقالت أمي‏:‏ لا أجزها فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يمدها ويأخذ بها‏)‏ وأخرج النسائي بسند صحيح عن زياد بن حصين عن أبيه‏:‏ ‏(‏أنه أتى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فوضع يده على ذؤابته وسمت ‏[‏هو بفتح السين المهملة وتشديد الميم دعاء له بالبركة والخير فعطف ما بعده عليه تفسير له‏]‏‏.‏ عليه ودعا له‏)‏ ومن حديث ابن مسعود وأصله في الصحيحين قال‏:‏ ‏(‏قرأت من في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لمع الغلمان له ذؤابتان‏)‏ ويمكن الجمع بأن الذؤابة الجائز اتخاذها ما يفرد من الشعر فيرسل ويجمع ما عداها بالضفر وغيره والتي تمنع أن يحلق الرأس كله ويترك ما في وسطه فيتخذ ذؤابة وقد صرح الخطابي بأن هذا مما يدخل في معنى القزع انتهى من الفتح‏.‏

والحديث يدل على المنع من القزع قال النووي‏:‏ وأجمع العلماء على كراهة القزع كراهة تنزيه وكرهه مالك في الجارية والغلام مطلقًا وقال بعض أصحابه لا بأس به للغلام ومذهبنا كراهته مطلقًا للرجل والمرأة لعموم الحديث قال العلماء‏:‏ والحكمة في كراهته أنه يشوه الخلق وقيل لأنه زي أهل الشرك وقيل لأنه زي اليهود وقد جاء هذا مصرحًا به في رواية لأبي داود انتهى‏.‏ ولفظه في سنن أبي داود أن الحجاج بن حسان قال ‏(‏دخلنا على أنس بن مالك فحدثتني أختي المغيرة قالت وأنت يومئذ غلام ولك قرنان أو قصتان فمسح رأسك وبرك عليك وقال‏:‏ احلقوا هذين أو قصوهما فإن هذا زي اليهود‏)‏‏.‏

2- وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى صبيًا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال‏:‏ احلقوا كله أو ذروا كله‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح‏.‏

قال المنذري‏:‏ وأخرجه مسلم بالإسناد الذي خرجه أبو داود ولم يذكر لفظه وذكر أبو مسعود الدمشقي في تعليقه أن مسلمًا أخرجه بهذا اللفظ‏.‏

والحديث يدل على المنع من حلق بعض الرأس وترك بعضه وقد سبق الكلام عليه في الذي قبله وهو مؤيد لتفسير القزع بما فسره به ابن عمر في الحديث السابق‏.‏

وفيه دليل على جواز حلق الرأس جميعه قال الغزالي‏:‏ لا بأس به لمن أراد التنظيف‏.‏

وفيه رد على من كرهه لما رواه الدارقطني في الأفراد عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة‏)‏ ولقول عمر لصبي‏:‏ لو وجدتك محلوقًا لضربت الذي في عيناك بالسيف ولحديث الخوارج أن سيماهم التحليق‏.‏

قال أحمد‏:‏ إنما كرهوا الحلق بالموسى أما بالمقراض فليس به بأس لأن أدلة الكراهة تختص بالحلق‏.‏

3- وعن عبد اللَّه بن جعفر‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمهل آل جعفر ثلاثًا أن يأتيهم ثم أتاهم فقال‏:‏ لا تبكوا على أخي بعد اليوم ادعوا لي بني أخي قال‏:‏ فجيء بنا كأننا أفرخ فقال‏:‏ ادعوا لي الحلاق قال‏:‏ فجيء بالحلاق فحلق رؤوسنا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

الحديث إسناده حسن وقد سكت عنه أبو داود والمنذري لذلك ورجال إسناده عند أبي داود ثقات وأما عند النسائي فشيخه فيه مقال والبقية ثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كأننا أفرخ‏)‏ جمع فرخ وهو صغير ولد الطير‏.‏ ووجه التشبيه أن شعرهم يشبه زغب الطير وهو أول ما يطلع من ريشه‏.‏

والحديث يدل على أن الكبير من أقارب الأطفال يتولى أمرهم وينظر في مصالحهم وهو يدل على الترخيص في حلق جميع الرأس ولكن في حق الرجال وأما النساء فقد أخرج النسائي من حديث علي رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن تحلق المرأة رأسها‏)‏ ويدل على الترخيص للرجال أيضًا الحديث الذي قبل هذا لأنه أمر بحلقه كله أو تركه كله‏.‏

 باب الاكتحال والادهان والتطيب

1- عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏

هذا طرف من حديث طويل ولفظه‏:‏ ‏(‏من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن أكل فما تخلل فليلفظ وما لاك بلسانه فليبتلع من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبًا من رمل فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج‏)‏ وفي إسناده أبو سعيد الحبراني الحمصي الراوي عن أبي هريرة‏.‏ قال أبو زرعة الرازي‏:‏ لا أعرفه‏.‏ وقيل إنه صحابي قال الحافظ‏:‏ ولا يصح والراوي عنه حصين الحبراني وهو مجهول‏:‏ وقال أبو زرعة‏:‏ شيخ‏.‏ وذكره ابن حبان في الثقات وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في العلل وقد أخرج الحديث ابن حبان والحاكم والبيهقي وهو يدل على مشروعية الإيتار في الكحل وظاهره عدم الاقتصار على الثلاثة إلا أن يقيد الإيتار بما سيأتي من فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

قال ابن رسلان‏:‏ وفي كيفية الوتر في الاكتحال وجهان‏:‏ أحدهما أن يضع في كل عين ثلاث مرات وهذا هو الأصح لحديث ابن عباس الآتي والثاني يضع في اليمنى ثلاث مرات وفي اليسرى مرتين فيكون المجموع وترًا أو في عين ثلاث مرات وفي عين أربع مرات‏.‏

2- وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد ولفظه‏:‏ ‏(‏كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال‏)‏‏.‏

الحديث حسنه الترمذي وقال‏:‏ إنه روي من غير وجه عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر‏)‏ ثم ذكر أنه كانت للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مكحلة الخ وساق الحديث عن علي بن حجر ومحمد بن يحيى عن يزيد بن هارون عن عثمان بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ وفي الباب عن جابر وابن عمر‏.‏

والحديث يدل على استحباب أن يكون الاكتحال في كل عين ثلاثة أميال وأن يكون بالإثمد وهو بالكسر حجر للكحل معروف وأن يكون في كل ليلة وأن يكون عند النوم‏.‏ وقد أخرج أبو داود من حديث ابن عباس قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خيار ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم وإن خير أكحالكم الإثمد يجلو البصر وينبت الشعر‏)‏ وأخرجه الترمذي وابن ماجه مختصرًا وليس فيه ذكر الكحل وفي رواية الطبراني ‏(‏فإنه منبتة للشعر مذهبة للقذى مصفاة للبصر‏)‏‏.‏

وعن أنس قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

وأخرجه أيضًا أحمد وابن أبي شيبة والحاكم من حديثه وفي إسناده في سنن النسائي سيار بن حاتم وسلام بن مسكين ومن طريق سيار رواه أحمد في الزهد والحاكم في المستدرك‏.‏ ومن طريق سلام أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وابن سعد والبزار وأبو يعلى وابن عدي في الكامل وأعله به والعقيلي في الضعفاء كذلك‏.‏ وقال الدارقطني في علله‏:‏ رواه أبو المنذر سلام بن أبي الصهباء وجعفر بن سليمان‏.‏

ورواه عن ثابت عن أنس وخالد بن حماد بن زيد عن ثابت مرسلًا وكذا رواه محمد بن عثمان بن ثابت البصري والمرسل أشبه بالصواب‏.‏ وقد رواه عبد اللَّه بن أحمد في زيادات الزهد عن أبيه من طريق يوسف بن عطية عن ثابت موصولًا أيضًا ويوسف ضعيف وله طريق أخرى معلولة عند الطبراني في الأوسط عن محمد بن عبد اللَّه الحضري عن يحيى بن عثمان الحربي عن الهبل بن زياد عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس مثله‏.‏

قال الحافظ في التلخيص‏:‏ إن إسناده حسن وقال في تخريج الكشاف والتلخيص‏:‏ ليس في شيء من طرقه لفظ ثلاث بل أوله عند الجميع ‏(‏حبب إليَّ من دنياكم النساء‏)‏ الحديث وزيادة ثلاث تفسد المعنى على أن الإمام أبا بكر ابن فورك شرحه في جزء مفرد بإثباتها وكذلك أورده الغزالي في الإحياء واشتهر على الألسنة انتهى‏.‏ وإنما قال‏:‏ إن زيادة لفظ ثلاث تفسد المعنى لأن الصلات ليس من حب الدنيا‏.‏

وقد وجه ذلك السعد في حاشية الكشاف فقال‏:‏ وقرة عيني مبتدأ قصد به الإعراض من حب الدنيا وما يجب فيها وليس عطفًا على الطيب كما سبق إلى الفهم لأنها ليست من حب الدنيا‏.‏

ووجه ذلك بعضهم بأن من بمعنى في قال‏:‏ وقد جاءت كذلك في قوله‏:‏ تعالى ‏{‏ماذا خلقوا من الأرض‏}‏ أي في الأرض ورده صاحب الثمرات بأنه قد حبب إليه أكثر من ذلك نحو الصوم والجهاد ونحو ذلك من الطاعات انتهى‏.‏

ومثل ما قال الحافظ قال شيخ الإسلام زيد الدين العراقي في أماليه وصرح بأن لفظ ثلاث ليس في شيء من كتب الحديث وأنها مفسدة للمعنى وكذلك قال الزركشي وغيره وقال الدماميني‏:‏ لا أعلمها ثابتة من طريق صحيحة‏.‏

والحديث يدل على أن الطيب والنساء محببان إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد ورد ما يدل على أن الطيب محبب إلى اللَّه تعالى فأخرج الترمذي عن ابن المسيب أنه كان يقول‏:‏ ‏(‏إن اللَّه تعالى طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود‏)‏ قال يعني الراوي عن ابن المسيب فذكرت ذلك لهاجر بن مسمار فقال‏:‏ حدثنيه عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مثله‏.‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث غريب وخالد بن إلياس يضعف ويقال ابن إياس‏.‏

4- وعن نافع قال‏:‏ ‏(‏كان ابن عمر يستجمر بالألوة غير مطراة وبكافور يطرحه مع الألوة ويقول هكذا كان يستجمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه النسائي ومسلم‏:‏ الألوة العود الذي يتبخر به‏.‏

قوله‏:‏ يستجمر الاستجمار هنا التبخر وهو استفعال من المجمرة وهي التي توضع فيها النار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الألوة‏)‏ بفتح الهمزة وضمها وضم اللام وتشديد الواو وفتحها العود الذي يتبخر به كما قال المصنف وحكى الأزهري كسر اللام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غير مطراة‏)‏ أي غير مخلوطة بغيرها من الطيب ذكره في شرح مسلم‏.‏

والحديث يدل على استحباب التبخر بالعود وهو نوع من أنواع الطيب المندوب إليه على العموم‏.‏

5- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود‏.‏

لم يخرجه مسلم بهذا اللفظ بل بلفظ‏:‏ ‏(‏من عرض عليه ريحان فلا يرده‏)‏ وهكذا أخرجه الترمذي بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة‏)‏ وقال‏:‏ هذا حديث حسن غريب وأخرجه من طريق حنان قال‏:‏ ولا يعرف لحنان غير هذا الحديث انتهى‏.‏

وهو أيضًا مرسل لأنه رواه حنان عن أبي عثمان النهدي وأبو عثمان وإن أدرك زمن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولكنه لم يره ولم يسمع منه‏.‏

وحديث الباب صححه ابن حبان وقد أخرج الترمذي عن ثمامة بن عبد اللَّه قال‏:‏ كان أنس لا يرد الطيب‏.‏ وقال أنس‏:‏ إن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان لا يرد الطيب قال‏:‏ وهذا حديث حسن صحيح‏.‏

وفي الباب عن أنس أيضًا من وجه آخر عند البزار بلفظ‏:‏ ‏(‏ما عرض على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم طيب قط فرده‏)‏‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وسنده حسن وعن ابن عباس عند الطبراني بلفظ‏:‏ ‏(‏من عرض عليه طيب فليصب منه‏)‏ وقد بوب البخاري لهذا فقال‏:‏ باب من لم يرد الطيب وأورد فيه بلفظ‏:‏ كان لا يرد الطيب‏.‏

والحديث يدل على أن رد الطيب خلاف السنة ولهذا نهى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثم أعقب النهي بعلة تفيد انتفاء موجبات الرد لأنه باعتبار ذاته خفيف لا يثقل حامله وباعتبار عرضه طيب لا يتأذى به من يعرض عليه فلم يبق حامل على الرد فإن كل ما كان بهذه الصفة محبب إلى كل قلب مطلوب لكل نفس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المحمل‏)‏ قال القرطبي‏:‏ هو بفتح الميمين ويعني به الحمل‏.‏

6- وعن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال في المسك هو أطيب طيبكم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه‏.‏

7- وعن محمد بن علي قال‏:‏ ‏(‏سألت عائشة رضي اللَّه عنها‏:‏ أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يتطيب قالت‏:‏ نعم بذكارة الطيب المسك والعنبر‏)‏‏.‏

رواه النسائي والبخاري في تاريخه‏.‏

وأخرجه الترمذي أيضًا من حديث عائشة بلفظ‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يتطيب بذكار الطيب المسك والعنبر ويقول أطيب الطيب المسك‏)‏ وحديث الباب في إسناده أبو عبيدة بن أبي السفر وفيه مقال واسمه أحمد بن عبد اللَّه‏.‏

وقوله‏:‏ا ‏(‏بذكارة الطيب‏)‏ الذكارة بالكسر للمعجمة ما يصلح للرجال قاله في النهاية‏.‏ والمراد الطيب الذي لا لون له لأن طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه‏.‏

وقوله‏:‏‏(‏المسك والعنبر‏)‏ بدل من ذكارة الطيب‏.‏

والحديث الأول يدل على أن المسك خير الطيب وأحسنه وهو كذلك‏.‏ وفي التصريح بأنه أطيب الطيب ترغيب في التطيب به وإيثاره على سائر أنواع الطيب‏.‏

8- وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه‏)‏‏.‏

رواه النسائي والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏.‏

وقال الترمذي بعد أن ذكر للحديث طريقًا أخرى عن الجريري عن أبي نضرة عن الطفاوي عن أبي هريرة‏:‏ إلا أن الطفاوي لا نعرفه إلا في هذا الحديث ولا يعرف اسمه‏.‏

وأخرجه أيضًا من طريق ثالثة عن عمران بن حصين بلفظ‏:‏ ‏(‏إن خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه‏)‏ وقال‏:‏ هذا حديث حسن غريب وفي رجال إسناده عند النسائي مجهول ثم بينه في إسناد آخر بأنه الطفاوي وهو أيضًا مجهول كما سبق‏.‏

والحديث يدل على أنه ينبغي للرجال أن يتطيبوا بما له ريح ولا يظهر له لون كالمسك والعنبر والعطر والعود وأنه يكره لهم التطيب بما له لون كالزباد والعبير ‏[‏العبير نوع من الطيب ذو لون يجمع من أخلاط‏]‏‏.‏ ونحوه وأن النساء بالعكس من ذلك‏.‏

وقد ورد تسمية المرأة التي تمر بالمجالس ولها طيب له ريح زانية كما أخرج الترمذي وصححه وأبو داود والنسائي من حديث أبي موسى عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني زانية‏)‏ قال الترمذي‏:‏ وفي الباب عن أبي هريرة‏.‏